عباد الله..
من غير الإنصاف لأنفسنا ولأبنائنا أن نستمر في لعب دور الضحية مكسورة الجناح، ونرفض أن نكون فاعلين في المجتمع من حولنا.. فكيف لنا في عصرنا الذي نعده متطوراً أن ننسى القواعد التي بدأت عليها حضارة المسلمين؟!
هل نسيتم تلك المرأة التي وقفت في خطبة الجمعة معترضاً على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ودافعت عن حقها بالحسنى أثناء الخطبة فأقرها وقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر..
ثم أنسيتم أيضاً ذلك الطفل الذي استدعاه عمر بن الخطاب أيضاً عندما سمع من أبيه أن ابنه هذا قد عقه؟ لقد دافع الطفل عن حقوقه التي لم يمنحها له أبوه، فأقر عمر كلام الطفل وقال لأبيه: لقد عققته قبل أن يعقك..!
هل هكذا أطفالنا ونساؤنا الآن؟ أم أن عدوى الديكتاتورية قد سادت في بيوتنا، ونسينا سماحة الإسلام ورقيه فوق جميع الحضارات وقبلها؟
لقد رسخ الإسلام أسس حرية الرأي قبل غيره من الحضارات بقرونٍ طويلةٍ، لكن السياسة المعاصرة في بلادنا هي من ألغت كل ذلك من حياتنا، وأفهمونا أن للحوائط آذانٌ تتنصت علينا، فالأولى أن نسكت كي نؤثر السلامة..!
والحق أننا لا نريد أن يستغرق الأمر أعواماً مديدةً أخرى كي نستعيد شعورنا بالحرية التي سبق بها إسلامنا هذه البلاد.. بل نريد أن نستفيق على الفور من غفلتنا هذه، وأن ندرك أنه يجب أن نعمل من أجل حقوقنا، وأن السياسة من حولنا لا تلعب أبداً دور الأم الحنون التي ستعطف علينا من تلقاء نفسها..!
بل يجب علينا أن نتحرك، وأن نفهم أن أهل الشذوذ الجنسي مثلاً ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن إلا لمثابرتهم، وهذه من الأمور التي يجب أن نقر لهم بها، فهم مثابرون أكثر منا، بل وبأضعاف كثيرة.. نحن الذين امتدح الله المرابطين فينا خلف مشاريع الخير، ونحن الذين لم نعد نفقه من هذا الرباط شيئاً، فتركناه لمن نتندر عليهم بشذوذ مسلكهم، ونحن أولى منهم بالدفاع عن عقيدتنا بجميع الأساليب والطرق الإيجابية.
لنريهم من أنفسنا خيراً، ومن قبلهم ليرى الله منا خيراً، لنبدأ فعالياتنا للحفاظ على حقوق المسلمين في ألمانيا، قبل أن تستفحل القوى اليمينية المتعصبة ضد الإسلام والمسلمين، ونرى أنفسنا مضطهدين منهم ونحن الذين سكتنا وأعطيناهم الفرصة لذلك.. يجب أن نتعاون مع المعتدلين وأن نقوي من شوكتهم ما داموا هم الأفضل لنا، أما أن نسكت ونكون في محل تقبل الضغوط كما تعلمنا من بلادنا ونكتفي بكلمة حسبنا الله ونعم الوكيل، فهذا مرفوضٌ تماماً من إسلامنا الذي علمنا أن نعقلها أولاً ثم نتوكل على الله.. وهنا تأتي كلمة نعقلها، فكيف تكون؟
أولاً يجب أن نكون إيجابيين في المجتمع، فالدين هو المعاملة، وكم من عشرات الملايين الذين أسلموا لمجرد حسن معاملة المسلمين، وما ماليزيا وأندونيسيا عن تاريخنا وحاضرنا ببعيد.. وكي لا يظن البعض أن هذا مجرد تاريخٌ لا مكان له في الحاضر، أريد أن أذكر لكم موقفاً حدث في مدينةٍ مجاورةٍ لدوسلدورف.. إذ علمت امرأةٌ متعصبةٌ كبيرةٌ في السن أن أسرةً من أهل سوريا الكرام سوف تسكن بجوارها، فخافت منهم وبدأت تعمل في سورٍ فاصلٍ بينها وبينهم قبل أن ينتقلوا بالفعل إلى البيت المجاور لها، وأثناء عملها في السور أتى إليها شخصٌ يعرض مساعدتها في بناء السور، فسألته عن نفسه، فأجابها أنا جارك الجديد.. فما كان منها إلا أن ضحكت، ثم أردفت قائلةً له: إنما كنت أبنيه لأحمي نفسي منكم، فقد سمعت عنكم ما يدفعني لذلك.. لكنني لست بحاجة لهذا السور بعد الآن..!!
وهنا إخوتي الكرام نتساءل: من نقل هذه الصورة عنا لهذه السيدة بهذا السوء؟ يجب أن نعمل لتصحيحها بسرعةٍ ما أمكننا ذلك، علينا أن نوصل إليهم صورة الإسلام الحقيقية وإيجابياتها، ولهذا فإننا ننظم عادةً بعض الفعاليات المشتركة بهذا الهدف، الأمر الذي لا يمنع مطلقاً أن يكون لكلٍ منا دوره منفرداً أيضاً مع جيرانه وزملائه في العمل.. ولا ننسى أبداً أن الدين هو المعاملة.
وفي الخطبة الثانية سنتناول إن شاء الله حال أبنائنا في المدارس هنا، وكيف نصححه بحولٍ من الله وفضل.
وهنا أختم الشق الأول من حديثي وأسأل الله أن يعنا على تصحيح ما لدينا من أخطاءٍ،.. فاللهم أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.
=========================
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد..
عباد الله..
نتحدث في هذه الخطبة لنلخص موضوعاتٍ سبق وأن تناولناها بشكلٍ متفرقٍ، أولها عن حملة الحجاب في المدارس، وثانيها عن حملة لتحويل القليل من المدارس الحكومية إلى إسلاميةٍ أسوةً بالكاثوليكية واليهودية وغيرها.
وقد يتساءل البعض: من أين لكم كل هذه الجرأة لتطلبوا ذلك؟
والإجابة في غاية البساطة، وهي أن نسبة المسلمين في دوسلدورف هي ٩٪ من كامل مواطنيها، فهل يمكن أن يكون هذا عددنا وليست لنا أية حقوق، في حين أن الجالية اليهودية نحو ١٪ فقط ولهم مدرستان؟؟
الفرق هنا لصالح الجالية الإسلامية بكل وضوحٍ يراه حتى الأعمى، لكننا مؤدبون متواضعون لا نطالب بشيءٍ بتاتاً، ونكتفي فقط بالحسرة والندامة، ولو كان الواحد مننا يظن في نفسه بعض التدين لزاد قائلاً: حسبنا الله ونعم الوكيل..!
انهض يا أخي، فالعمل في الإسلام ليس بمجرد النية التي تظنها، لأن النية لا تكون صادقة إلا لو صحبتها العزيمة الحقيقية.. ولن نحقق لأبنائنا شيئاً بمجرد التمني، بل بالحراك والفعاليات الإيجابية.
أعتقد أن كلمة حراك إسلامي هي غريبةٌ فعلاً عن هذا المجتمع، فطيلة قرونٍ كان السكون هو سمة المسلمين الأساسية هنا.. وهو ما نريد له أن يتغير الآن.. لكن كيف؟
نؤكد بحمد الله أننا قد خططنا لحملةٍ للدفاع عن الحجاب في مدارس المدينة، رغم علمنا أن غالبية أهلها يتقبلونه ولا يضيرهم في شيء، لكننا هنا لا نتحدث عن الغالبية، بل نتحدث عن البعض منهم الذين يكرهون كل ما هو إسلامي، وكم وصلت إلينا شكاوى من أولياء الأمور المسلمين بأن بناتهن يتعرضن لمضايقاتٍ من بعض المعلمين المتعصبين.. ونحن لا نريد مواجهاتٍ تسيء لنا أو للمجتمع ككل، لكننا نريد أن نخطر إدارات المدارس التي نرغب في عمل وقفات احتجاجية فيها، بأن بناتِنا وأبناءنا سوف يقفون في المدخل الرئيسي للمدرسة في فسحة اليوم المدرسي، يحملون يافطات عليها صورٌ رمزيةٌ لمحجبة وراهبة، وكلاهما يرتدين غطاء الرأس نفسه تقريباً، وعلى هذه اليافطات أسئلة منطقية، عن لماذا التفرقة بين غطاء الرأس هذا وغطاء الرأس هذا؟ ولماذا تعتبرون المسلمة منهما غبيةً وتقولون إن حجابها هو غطاءٌ للرأس والعقل معاً، في حين تحترمون نفس غطاء الرأس لو ارتدته راهبةٌ ولا تعتبرونه مغيباً لعقلها؟
ثم بعد انتهاء الوقفة تتجه بناتنا إلى الفصول، ليطرقن أبوابها، ويعطين كل مدرسٍ ومدرسةٍ وردةً بيضاء تعبر عن التقدير والاحترام، سواء منهن تجاه المدرسين أو من المدرسين تجاههن، وهي الرسالة المطلوب توجيهها لهم بدون طول نقاش أو أي حديث.
هذه هي الحملة التي نريد أن نكررها في خمس مدارس كل جمعةٍ في شهر يناير إن شاء الله.. ونريد بالتوازي أن تكون هناك تغطية إعلامية لهذا النشاط.
ثم إن انتهينا ننتقل إلى الحملة التي تليها، وهي المطالبة بتحويل بضع مدارس لتكون إسلاميةً أسوةً بغيرنا من الديانات في المجتمع، فنحن على مشارف أن يكون عددنا عشر المجتمع، فكيف لا يكون لنا مدارس بها مساجد أو قاعات للصلاة، تقام فيها الصلوات اليومية والجمع، وتكون الإدارات فيها ذات توجهٍ إسلاميٍ محض، تماماً كغيرنا.. فنحن لا نعترض على وجود مدرستين يهوديتين مثلاً، لهم كل الحق في ذلك، لكن أين حقنا نحن أيضاً ونحن أكثر منهم بتسعة أضعاف عددهم؟؟
لنجمع كلمة المسلمين في المدينة، ليطالبوا بحقوقهم المنسية.. ولا نريد أبداً أن نستسلم لمن يقول أي مسلمين، السنة أم الشيعة أم غيرهم.. فهذا والله من المثبطين، إذ أن لليهود أيضاً فصائل عميقة الاختلاف، بل ومتحاربة أيضاً، أفلا تكون الوحدة أولى بنا؟ ولو اختلفنا، فلنقل إننا نطالب بحقوق أهل السنة من المسلمين وفقاً لنسبتهم الغالبة ليس في دوسلدورف وفي غير دوسلدورف.
لا تدعوا أحداً يوقفكم، فأبناؤكم أحوج ما يكونون إلى هذه الحقوق المهضومة على مدار عشرات السنين.. أفما آن الأوان لذلك؟
إن الائتلاف الحاكم الجديد الآن قد فتح لكم أبوابه، فماذا تنتظرون؟؟!!
أدعو الله العلي الكريم أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا جميعاً على إتقان العمل من أجل المسلمين.
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير، واتقوا الله عباد الله، وإني داعٍ فأمنوا:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف اللهم عنا برحمتك شر ما قضيت..
اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك، اللهم حبب إلينا طاعتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل، وكره إلينا معصيتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل.
اللهم اجعل أفضل أعمالنا خواتيمها، واجعل أسعد أيامنا يوم أن نلقاك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم كن لإخواننا المظلومين، وارفق بهم وهَوّن عليهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم عجل للحق بنصرك المبين، وثبتنا عليه بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لك يا رب العالمين.