عباد الله
إن من أكثر الظلم أن يرى المرء بعينيه الكيل بمكيالين ممن يدعون العدالة والمساواة، لكن يبدو أنها عدالة لفئة على جانب، وظلمٌ كبيرٌ لفئةٍ أخرى لا تروق لهم.
وهنا نعني تحديداً الموجة المتزايدة عاماً بعد آخر من أجل تأييد المثليين والترحيب بما يفعلون، وكأنما يمجدونهم ويعتبرونهم قمة ما وصلت إليه البشرية من أخلاق!!
وهنا لا نبالغ في تقييمنا للأمر، فالشركات الكبرى تجعل عَلَمهم المعروف بألوان الطيف شعاراً لها، حتى أننا لو أردنا أن نتعامل مع بنكٍ مثلاً وجدنا علمهم يرفرف على شعار البنك، ولو حضرنا فعاليةً رياضيةً أو حدثاً ترفيهياً بالمدينة لوجدتهم أمام عينيك مرةً أخرى، وقد حاولنا بالفعل تنظيم أحد هذه الأحداث الرياضية الكبيرة على مستوى المدينة وما حولها، وبعد حصولنا على الموافقات علمنا أن هؤلاء سيشاركوننا وهو ما يخالف عقيدتنا بكل وضوح.. فما كان منا إلا أن ألغينا هذا الحدث حتى لا يقال بأننا ندعم المثليين نحن أيضاً.
وعلى الجانب الآخر نجد أن من يدافعون عن هؤلاء بداعي أن هذا حقٌ إنسانيٌ أصيلٌ في زعمهم، وأنه لا ينبغي أبداً اضطهادهم، بل يدعمونهم بكل قوةٍ، نجد هؤلاء ينقلبون وينكصون على أعقابهم حينما تطالبهم بنفس ذات السماحة وحقوق الإنسان هذه، في حال كان هذا الإنسان مسلماً.. فهم في قرارة أنفسهم لا يقرون بحقوق المسلمين، وقد لا يعتبرونهم أناساً مثلهم، ووالله لا نبالغ إن قلنا أنهم يدعمون من يضطهد المسلمين، لدرجة أنه يمكن وصف الإعلام الأوربي في مجمله بأنه إعلام الكراهية ضد المسلمين.. فالمسلمون هنا هم في نظر الكثيرين أساس الإرهاب، فإن قلت لهم: كم قتل المتطرفون المسلمون؟ وكم قتل المتطرفون الأوربيون؟ فلن يجاوبوك، لأنهم يعلمون أن المتطرفين من المسلمين لم يقتلوا سوى أفراداً قلائل في مجملهم، في حين قتل متطرفوهم أضعاف ذلك بكثير.. وكثيراً ما ستسمع بأن أي حادثٍ يقوم به شخصٌ من أصولٍ عربيةٍ أو إسلاميةٍ، فإنما هو ذو دوافع إرهابية أكيدة، سيقولون ذلك فوراً وقبل أي تحقيقٍ، كما لو كانوا يعرفون دوافعه المزعومة أكثر من فاعله نفسه..!!
أما لو كان هذا الحدث من غير مسلم، فستسمع دوماً في نشرات الأخبار أنه لم تعرف دوافع القاتل بعد..! كي لا يظن أحدٌ أبداً أن من الأوربيين أي إرهابي لا سمح الله، وكأن الإرهاب لا يخرج إلا من المسلمين..!
إخوتي في الإيمان.. هذا هو الواقع، وهذه هي المشكلة.. فما الحل؟
قطعاً لا يكون الحل بالاكتفاء بلوم هؤلاء فيما بيننا، أو أن نبدي تعجبنا مما نسمع.. ثم يشعر الواحد منا حينئذٍ أنه قد قام بواجبه كاملاً حينما مصمص شفاهه أمامك.. وهو ما يذكرنا بالقادة الأشاوس من العرب، حينما تقذفهم دولةٌ بالقنابل، ثم يكتفون جميعاً بأشد عبارات الشجب والندب..! وهم في ذلك أقل تأثيراً من المرأة التي تولول إذا ما أصابتها مصيبةٌ.. فهي على الأقل ستسمع غيرها وستحاول استعطاف من يساعدها على مصيبتها.. أما هؤلاء القادة الأفذاذ فأكبر همهم هو كتابة برقيةٍ يقرؤها مذيع نشرات تلفازهم لذر الرماد في العيون ولحفظ ماء الوجه غير الموجود أصلاً..!
إن الحل إنما يكون بالفعل لا بالقول.. والفعل المقصود هنا يكون أن يواجه الفكر بالفكر والإعلام بالإعلام.. وما وصل هؤلاء الشواذ جنسياً إلى حالهم هذا من التأييد إلا بنشاطهم الدؤوب حقاً.. إنهم يتحرون البحث عن أي فعاليةٍ أو مناسبةٍ حتى يحضروها، وإذا حضروها أحضروا معهم أعلامهم، أو لبسوا ملابس تحمل ألوانهم، حتى يراهم القاصي والداني، وحتى يعتاد الناس على وجودهم فيقبلوا بهم ويعتبرونهم جزءاً أصيلاً من المجتمع، كما يحدث الآن بالفعل..
فإذا كان هؤلاء يدافعون عن باطلهم بهذه القوة، أفلا يستحق الحق أن ندافع عنه بنفس هذا الحماس أو يزيد؟
لماذا ينشط هؤلاء في نصرة الباطل ونتكاسل نحن في الدفاع عن الحق؟!
هل يمكن أن نطلب من كلٍ منكم أن ينذر لله بعضاً من الجهد الذي يبذله أيٌ من هؤلاء؟
إن غالبيتكم يستحون من الدفاع عن الحق، ولو أعطينا أياً منكم الآن علماً أو حتى مجرد ورقةً صغيرةً يحملها ليقول للمجتمع بها ولو كلمةً واحدةً عن إسلامه، سنجد تردداً كبيراً منكم وكأنما نعطيكم قنابل وليس ورقاً.. رغم أن هذا الورق لا يحمل إلا ما يجب أن تفخرون به بين الناس، فإسلامكم ليس به انحطاطٌ تتحرجون منه، بل قمة الرقي الأخلاقي وقمة الإنسانية.. فلماذا تتحرجون في الدفاع عنه؟!!
إننا نتعجب أن تدافع بعض النساء غير المسلمات أساساً عن الحجاب في البرلمانات الأوربية، في حين تستحي المحجبة المسلمة أن تشارك في مسيرةٍ تطالب بحرية ملبسها ومعتقدها..!
عجبنا فعلاً من امرأةٍ ألمانيةٍ غير مسلمةٍ، كانت تلبس الحجاب، ومن تحته لباس الراهبات، ثم تسأل الألمان: لماذا تكرهون هذا الحجاب، ثم تخلعه وتقول: لكنكم تحترمون لباس الراهبات هذا، رغم أنهما لا يختلفان أبداً..!
ثم تتعجب قائلةً: لماذا تدعون أن الحجاب يحجب عقل المرأة عن التفكير ويحولها إلى مجرد دمية؟ في حين لا تقولون حرفاً من ذلك عن نفس الملبس لو كان لراهبةٍ؟!!
فإذا كان هذا هو ما قامت به امرأةٌ واحدةٌ وغير مسلمة، فما هو دورك أنت؟
هذا هو ما سنتحدث عنه في الخطبة الثانية، وربما في خطبٍ لاحقةٍ إن شاء الله تعالى وقدر لنا أن نكون بين ظهرانيكم.
وهنا أختم الشق الأول من حديثي وأسأل الله أن يعنا على تصحيح ما لدينا من أخطاءٍ،.. فاللهم أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.
=========================
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد..
عباد الله..
إن عليكم أن تختاروا بين أن تكونوا أمثال القادة العرب الذين لا قيمة ولا وزن لهم في عالمنا، أو أن تكونوا أنتم النسخة الأفضل لتلك المرأة التي ذكرناها لكم في نهاية الخطبة الأولى.
إن هؤلاء لا يبتغون ثواباً عما يفعلون، بل يقومون به لقناعاتهم الشخصية.. فماذا لو قمنا به نحن مستندين فيه إلى القناعة الشخصية وإلى الثواب الرباني معاً؟ فهل ننتظر منكم بناءً على ذلك مجهوداتٍ أكبر؟
إخوتي في الله.. افعلوا ما تستحقون أنتم، وما يستحق أبناؤكم من كرامة، ودينكم من عزةٍ.
كونوا مجموعاتٍ فيما بينكم، ولتكن كل مجموعةٍ مسئولةً عن نشاطٍ ما.. إن مواقع التواصل الاجتماعي تسهل عليكم ذلك بشدةٍ، فقط أنشئوا هذه المجموعات، وادعوا إليها من يريد العمل فيها، وانشطوا ثم انشطوا.. كونوا عباد الله إخواناً، كونوا من المرابطين وراء الحق، لا من النائمين عنه..!!
استغلوا الوسائل التكنولوجية لزيادة قوتكم، ولتنظيم مجهوداتكم، واجعلوا منها منصةً إعلاميةً بديلةً لإعلام الكراهية.. طالبوا بحقوقكم، فهي تؤخذ.. ولا توهب.
إنكم لو نظرتم حولكم ستجدون وسائل كثيرةً أمامكم كنتم تجهلون فائدتها لكم، لأنكم لم تفكروا فيها.. فمنكم الكثير من الأصوات المسموعة، لكنها ليست مستثمرةٍ بالقدر الكافي.. إن من بين أبناء المهاجرين مثلاً من هو فنانٌ ساخرٌ ناقدٌ للمجتمع المحلي هنا، وهو في ذات الوقت محبوبٌ ومقدرٌ من الألمان، فلماذا لا ندعمه؟ لماذا لا نكثر من مجهوداته ومجهودات أمثاله من أجل تصحيح صورة المسلمين، ولو بصورةٍ نقديةٍ ساخرةٍ؟!
استجمعوا قواكم بكل مفرداتها، ولا يركن أحدكم إلى الآخر.. واعلموا أن القطار يحتاج إلى كثيرٍ من تضافر القوى كي يتحرك، وسيكون بطيئاً أمام الناظرين.. لكنه إذا تحرك فسينطلق وسيكون من الصعب تعطيله بعد ذلك.. فهل أنتم لاحقون بالركب؟ أم من القاعدين عن مناصرة حقوقكم؟
لماذا لا تنظمون حملةً لدعم حجاب المسلمات؟ نوزع فيها أوراقاً ويافطاتٍ على بناتنا في المدارس، ثم نطلب منهن أن يقفن في وقتٍ واحدٍ في كامل المدينة أمام جميع المدارس، كلٌ أمام مدارسهن.. لنشجع بناتنا، وليقف معهم أبناؤنا من الشباب أيضاً.. ليكونوا جميعاً أول المدافعين عن عقيدتهم، وأجزم أن ذلك لن يفيدهم فقط في رفع قيمة الحجاب في المدارس، بل سيرفع معنوياتهم في العديد من المناحي، لا سيما حينما يرى هؤلاء ألطلاب المسلمون أن أعدادهم كبيرةً أكثر مما كانوا يعتقدون.. وسيشجع غيرهم من الطلاب المتكاسلين ليشتركوا معهم في الدفاع عن رفعة الإسلام، حتى لو لم يكونوا مثلاً من المصلين.
وسنكون معكم في كل خطواتكم، بل في مقدمة المجتهدين من أجل مصلحتكم كمسلمين.. وكي لا ننتظر التحرك من غيرنا ونظل صامتين إلى ذلك الحين، فسنبادر نحن بتجهيز هذه الأوراق وبعض اليافطات، وسنخاطب كل مدرسةٍ يصلنا من أيٍ من طلابها وطالباتها أنهن يرغبن في المشاركة في مثل هذه الوقفات المعبرة عن الرأي، والتي يسمح بها القانون هنا بكل أريحية، بل إن الجميع سيحترمونكم أكثر، حينما يرون أن لكم رأياً تدافعون عنه بهذا التحضر.
فهل توافقوننا الرأي وتشاركوننا المسير؟
أدعو الله العلي الكريم أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا جميعاً على إتقان العمل من أجل المسلمين.
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير، واتقوا الله عباد الله، وإني داعٍ فأمنوا:
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف اللهم عنا برحمتك شر ما قضيت..
اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك، اللهم حبب إلينا طاعتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل، وكره إلينا معصيتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل.
اللهم اجعل أفضل أعمالنا خواتيمها، واجعل أسعد أيامنا يوم أن نلقاك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم كن لإخواننا المظلومين، وارفق بهم وهَوّن عليهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم عجل للحق بنصرك المبين، وثبتنا عليه بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لك يا رب العالمين.