عباد الله:
لا شك أن حال المسلمين في فرنسا يدعو للقلق والتساؤل، فهم الذين تزيد نسبتهم عن ٨٪ لا وزن لهم رغم انتشارهم في المجتمع الفرنسي، بل ويحاربون حتى في المساجد وفي المأكل الحلال، وهذا هو ما كانوا يرونه كافياً لهم في حياتهم، ولا يريدون غيره، فباتوا يُحرَمون حتى من هذه الحقوق البسيطة.. بل إن بعض الوزراء الذين ينتمون للإسلام بشكلٍ أو بآخر نجدهم أشد عداءً للمسلمين من غيرهم.. فهذا وزير الداخلية يرى أن الإسلام عدو الجمهورية الفرنسية الأول، مع أن جده كان اسمه موسى، وكان مسلماً، لكن هذا الوزير صار اسمه جيرالد، وهذا يكفي لنعلم ما يأتي بعد ذلك..!
فأين الخلل أيها الإخوة؟!
الخلل أنهم شيدوا آلاف المساجد، لكنهم لم يؤسسوا جيلاً واعياً يدافع عن حقوقهم.. منعوا أبناءهم أن يمثلوهم في الهيئات المجتمعية والجهات السياسية.. فقل أن تجد مسلماً واعياً بين ساسة فرنسا، رغم أنه كان يجب أن نرى مسلماً كل عشرة سياسيين هناك، لكننا بتنا لا نرى تقريباً سوى من يهاجم المسلمين ويتمعن في عقابهم، كي يرضى عنه الباقون، حتى لو كان من أبناء المسلمين أنفسهم.. لقد أهملوا بناء الشباب المسلم كما يجب أن يكون، واكتفوا ببناء جدران المساجد، دون بناء جيلٍ واعٍ قويٍ.
فباتت قرارات إغلاق المساجد هناك من أسهل الأمور، فهي بيد غير المسلمين، ولن تجد في المجالس البلدية من يقف ضد مثل هذه القرارات، لأنه أصلاً لا وجود للمسلمين يذكر في مجالس إدارات المدن.. ولو طالبت الجالية الإسلامية هناك بشيءٍ فلن تجد آذاناً صاغيةً تسمع أو تجيب.
بل إن أصوات المسلمين تذهب هباءً ولا وزن لها، لأنهم لا يستخدمونها كورقة ضغطٍ على الأحزاب لتحقيق مطالبهم الأساسية، في حين أن الشواذ جنسياً يحققون أكثر مما حقق المسلمون من مطالب بكثيرٍ، رغم أنهم أبداً لا يضاهون أعداد المسلمين ونسبتهم في المجتمع الفرنسي.
الخلل أيضاً أننا لا نفهم معنى السياسة، ولا نفقه أنها فن أخذ الحقوق.. ونظن أن الحقوق هبة يهبها الساسة لنا، والحقيقة أنها تعطى فقط لمن يطلبها، بل لمن يعرف كيف يطلبها، أو بمعنى أدق.. لمن يفهم ما هي السياسة.
ومن الغريب أن نجد هنا غالبية المسلمين لا يزالون يرتعدون لمجرد أن يسمعوا كلمة سياسة، وكأنها منكرٌ يجب الابتعاد عنه فوراً.. مع أننا لو نظرنا حولنا إلى أرفع الساسة مقاماً في هذه البلاد التي نعيش فيها لوجدنا مثلاً تلك المرأة الرائعة ميركل، كانت ابنةً لقسيسٍ نصراني، وكانت عالمةً في الكيمياء الفيزيائية.. فهي لم تولد سياسيةً، بل ارتأت أنها تستطيع أن تخدم بلادها فغيرت عملها بعد أن كانت قد حصلت على الدكتوراه في مجالها، لكنها تركت كل ذلك واتجهت للعمل بالسياسة لخدمة البلاد.. فهل منا أو من أبنائنا من يدرك أخيراً ان المسلمين بحاجةٍ لمن يخدمهم فعلاً؟ أم أننا لا زلنا لا نتقن إلا دور الضحية المتلقية للأوامر من الغير، وما نحن إلا عبيدٌ مطيعون، لا حاجة لنا في الدنيا إلا المأكل والمشرب، وربما الصلاة وفقط.. ألهذا الحد السطحي تكون غاية طموحنا؟ مجرد جزارة لحومٍ حلالٍ ملحقةٍ بمسجدٍ ونتصور أننا بذلك قد حققنا حلم المسلمين وحلم أبنائنا؟!!
إن لو نظرنا إلى حالنا اليوم في هذه البلاد، لوجدنا أننا نشبه حال المسلمين في صدر الإسلام إبان عهد نبينا صلى الله عليه وسلم، ولعرفنا أننا يجب في هذه الحالة أن نتشبه بكثيرٍ مما كان على عهده.
لقد عين رسولنا صلوات الله وسلامه عليه أصحابه نواباً سياسيين منذ اليوم الأول، فأرسل الوفود والنواب، وعلمهم كيف يخاطبون الناس ويحاجونهم.. وما قصة داهية العرب عمرو بن العاص ببعيد، حينما كان لا يزال كافراً وذهب للملك النجاشي كي يقنعه بأن يطرد المسلمين ويسلمهم له.. فما كان من المسلمين إلا أن جادلوه بالحسنى والدهاء، وليس بالسطحية ولا السذاجة التي يسمونها مجاملةً للسذج: طيبة..!! فكسبوا الجولة والحوار السياسي ضده عند النجاشي، ولو لم يكونوا أذكياء ومحاورين وسياسيين لما نجوا من فخ عمرو بن العاص.. فهل نتوقع أن ينجوَ المسلمون في عصرنا بالسطحية أو الطيبة كما يحلو للبعض أن يسميَها؟ ونترك سنة رسولنا الذي أكد لنا مراراً وعلمنا أن المؤمن كيسٌ فطِن؟؟
إننا لا نطلب أن نكون مسيطرين على مقاليد الأمور تماماً، ولا نطمع في أكثر من حقوقنا الطبيعية التي تناسب حجمنا في المجتمع.. فقط نريد أن يكون لنا ما لغيرنا، وعلينا ما عليهم.. فما الغريب في ذلك؟
ولماذا مثلاً لا نجد عربياً واحداً يمثلنا في مجلس الأجانب بالمدينة؟
إنكم لو طلبتم أي طلبٍ من هذا المجلس، فلا تتوقعوا الموافقة عليه، لأنكم لم تنتخبوا عربياً واحداً فيه، فلماذا يجيبون طلباتكم أصلاً وأنتم الذين تصرون ألا يكون لكم وزناً يمثلكم في المجتمع؟!!
إخوتي الكرام..
هل تدركون مثلاً أنه لا يوجد مسجدٌ واحدٌ بالمدينة مرخصٌ كمسجد؟ أي أن جميع مساجد دوسلدورف تعاني من الكثير من التعنت الإداري، لأنها في نظر إدارة المدينة ليست مساجد.. ولو كانت كذلك لكان لها أوضاعٌ مختلفةٌ جداً.. لكن كيف يحصلون عليها ونحن لسنا حريصين على أن يكون منا من يشارك في إدارة المدينة التي يمثل المسلمون فيها عُشر سكانها؟!
إخوتي.. أرجو ألا تغضبوا مني حين أقول بأن أهم ميزةٍ لنا هي الصَمم والبكَم.. ودعوني أضرب لكم مثالاً.. فحين شاركت إحدى الممثلات الشهيرات على حسابها مجرد صورةٍ لمظاهرةٍ تطالب برفع الحصار عن الفلسطينيين في بلادهم، قامت الدنيا ولم تقعد، واتهمها اليهود في التو واللحظة بمعاداة السامية، بل ويطالبون الحكومة البريطانية بمحاكمتها..!!
في حين أننا لا نجرؤ ونتحرج حتى أن نشتكي ضد الصواريخ التي يضربونها تجاه إخواننا، وليس مجرد نشر صورة على تويتر..!!
أرأيتم إلى أين وصلنا؟
ماذا دهانا يا إخوة؟
الرجل ذو الشوارب يخبرك أنه يخاف أن يقول رأيه للمجتمع، ويكتفي أن يقوله سراً بينه وبين أخيه فقط.. ويعوض ذلك النقص في بيته بمزيدٍ من الديكتاتورية..!
والبنت تجد حرجاً في الدفاع عن حجابها، في حين أن الشواذ لا يجدون ثمة حرج في مسلكهم الغريب..
مَن علمنا وزرع فينا عدم رغبة الدفاع عن أنفسنا ومعتقداتنا؟
مَن قال لكم أن هذا تواضعٌ أو خلقٌ حسنٌ؟! من ضللكم وكتم أصواتكم؟!
وإذا كانت هذه المصيبة قد استحكمت منكم، فلماذا تصرون على أن تصدروا العدوى إلى أبنائكم ليسكتوا هم أيضاً؟!
إن من أسباب عدم احترام أبنائنا لنا، أننا لا نتمتع بالجرأة في الحق.. فالعالم من حولنا يحترم القوي، ولا يحترم الضعيف..
نسأل الله أن يعنا على أنفسنا، اللهم أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد..
عباد الله:
تحدثنا في الخطبة الأولى عن واقعٍ مؤلمٍ، والذي نخشى أن يكون أكثر إيلاماً كما يعيش إخواننا في فرنسا، لأنهم نسوا أن يبنوا جيلاً مشاركاً فاعلاً في المجتمع، واكتفوا فقط ببناء المساجد.. ورأينا أن إشراك أبنائنا في الحياة السياسية ليس عيباً، بل هو واجبٌ وجوب الدفاع عن عقيدتنا.. إنه في نظرنا من أوجب الأمور على المسلمين المقيمين في الغرب، حتى أوجب من أن يؤسسوا محلات الجزارة الحلال، لأن أبناءنا هؤلاء سوف يكونون هم من يوافقون لنا ويمنعون غير المسلمين من الساسة من التعدي على حقوق المسلمين.. ولن يفعلوا ذلك إلا لو كانوا في موقع المسئولية أولاً، ومدَربين على ممارسة السياسة المدافعة عن المسلمين ثانياً.
فكيف يكون ذلك؟
الحق أننا نرفض أن نكون ممن يثيرون المشاعر دون أن يوجدوا لها حلولاً، وإمعاناً في ذلك فإننا نفكر في الحل ونبدأ في إجراءاته وخطواته العملية قبل أن نعرض المشكلة أساساً عليكم، كي نتيقن أنه الحل المناسب قبل أن نملأ به أسماعَكم.
وفي هذا الصدد كنا قد طلبنا من الحزبين الرئيسيين الحاكمين في الدولة أن يمدوننا ببعض ساستهم في المدينة كي يساعدونا في تجهيز وإعداد أبنائنا سياسياً على الصعيد المحلي في المدينة أولاً، وزارنا قبل أسبوعٍ ممثل الحزب الأول وننتظر الثاني، ووعد بأن يتعاون معنا بقوةٍ في هذا الأمر.. بقي فقط أن نجهز لهم أبناءنا الذين نرغب في إعدادهم ومن ثَم انتخابهم بعد ذلك مستغلين حجم ونسبة المسلمين في المدينة.
وحتى لا نكثر من اختلافات المسلمين بينهم وبين بعض، فقد قررنا تأسيس لجنةٍ تزور جميع المساجد السنية في دوسلدورف، وتطلب منهم أن يرشحوا ثلاثةً من أبناء وبنات كل مسجدٍ، فنجمعهم مرةً كل شهرٍ في المجمع الإسلامي لدينا، وندربهم دينياً ويدربهم الحزبان سياسياً..
ثم تكون هذه هي فقط أولى الخطوات التنسيقية، ثم يلي ذلك الاتفاق على ترشيح أفضلهم بعد تدريبهم، والتوافق على ذلك.. بهدف أن نرى أخيراً من يمثلنا وهو في موقع المسئولية.
ونحن هنا نناشد من يرغب في الانضمام للجنة التنسيقية لدينا أن يتواصل معنا، ونرجو له من ثواب ملك الملوك الكثير.
كلنا أملٌ أن نسمع أصواتكم، وأن تخرجوا بها من ضيق بيوتكم إلى رحابة المدينة والدولة التي أصبحنا جزءاً لا يتجزأ منها.. وحينها لن نقصر إن شاء الله معكم في تحمل المسئولية.
نسأل الله أن يعيننا وإياكم على مهامنا مع أبنائنا، وأن يهدينا وإياهم سبيل الرشاد..