عباد الله..
لا شك أن المتابع لأحوال المسلمين في أوروبا ليجد أن أوضاعهم تتطور بمرور الزمن، فقبل ثلاثين عاماً كان الوضع أسوأ مما نحن عليه الآن، وبفضل الله تطور في ألمانيا للأفضل نسبياً، وفي بعض البلاد يتطور الوضع للأسوأ مع الأسف.
لكن وكي لا تسوء أحوالنا، أو كي تتطور للأفضل بشكلٍ أسرع، يجب أن نمتلك رؤيةً واضحةً أو ربما خطةً للعمل المجتمعي الخاص بالمسلمين هنا.. لأنه بالتأكيد لن يكون في صالح أسرنا وأبنائنا أن يصبروا ثلاثين سنةً أخرى حتى تتحسن أوضاعهم في المجتمع قليلاً.. أليس كذلك؟
فما الحل إذاً؟
إن الحل الذي يمكن أن يختصر عشرات السنين، لن يختصره في أيامٍ أو أسابيع، لأن عزيمة القائمين عليه وإمكانياتهم لا تسمح بهذا التحول القوي والسريع، لذا فإننا نرجو أن نكون أكثر واقعيةً، وأن نتحدث هنا عن مجموعةٍ من الحلول التي تتطلب أسابيع وشهور وربما بعض السنوات القليلة على الأكثر.. ولنكن أكثر تحديداً.. نريد حلولاً فوريةً لأحوالنا الأسرية وحلولاً أخرى قد تتطلب ثلاث أو أربع سنواتٍ على الأقصى وهي الحلول المجتمعية التي يمكن طلبها من السياسيين المحليين، والتي يجب ألا تتخطى بحالٍ من الأحوال مدة الدورة الانتخابية الواحدة، بحيث إن لم تتحقق فإن علينا أن نعمل على التغيير بـأصواتنا وأصوات من يحبون التعاون معنا.
إن غالبية من يسمع مثل هذه الخطبة سيكون بإمكانه في الدورة الانتخابية القادمة أن يدلي بصوته، لأنه سيكون على الأغلب قد تم تجنيسه واكتسابه بذلك الحق الانتخابي.
إخوتي الكرام.. هل تعلمون أن هناك انتخاباتٍ لتمثيل الأجانب المقيمين في كل مدينة من غير أصحاب الجنسيات الألمانية؟ هل انتخبتم من يمثلكم في مجلس المدينة الحاكم حالياً؟ ولو حدث ذلك، فهل سألتموهم عن إنجازاتهم لصالح المسلمين في مدينتنا هذه؟
إننا نستطيع تغيير الكثير من أحوالنا، لكن السؤال الأهم هنا:
هل نريد التغيير والتطوير الإيجابي لنا ولأبنائنا فعلاً؟ أم أنها مجرد أمنياتٍ خاليةٍ من العزيمة؟
إنه وبالعودة للواقع فإننا نلمس أن الكثيرين أصبحت أكثر حركةٍ إيجابيةٍ أو تصرفٍ مؤثرٍ لديهم هو أن يضغطوا (لايك) على منشور فيسبوك أو فيديو يوتيوب مثلاً.. وهم بذلك يعتقدون أنهم قد أدوا الأمانة التي في رقابهم تجاه أبنائهم..!!
إنني والله أتعجب من بعض الذين جاهدوا بقوة من أجل أبنائهم من قبل، فعبروا بهم البحار واجتازوا العديد من المآسي المفجعة، ثم تجد بعضهم قد انتابه بعد ذلك الكسل التام، فصار اللايك أكثر ما يمكن أن تتوقعه منه..! أين بطولاتك يا أخي فيما سبق؟!!
لكن ولله الحمد فالأمر ليس كله بهذا السوء، فمنكم من يقدر على تحريك الجبال من جذورها، منكم من يمكن وصفه بأن لديه همة قادرة على إنقاذ أمة.. وقد رأينا من هذه النوعية أعداداً ليست بالقليلة.
إذاً، تنقصنا فقط الرؤية الواضحة ثم التخطيط والتنفيذ من بعد ذلك.
وقبل أن نظن أن التغيير سهلٌ، علينا أن نتأمل في الواقع غير الوردي الذي نعيش فيه، والذي يشمل العديد من صور المقاومة من الأطراف الرافضة أصلاً لوجودنا في هذه البلاد، والتي لا زالت تعيش أجواء الحروب الصليبية، وتنسى أن العالم أصبح قريةً صغيرةً ودروبها قصيرة، وبالتالي صار التداخل بين الأمم سمةَ العصر، وأصبح واجباً على الجميع أن يقبل بالجميع، وهذا أول عناصر القوة التي بأيدينا ضد هؤلاء المتعصبين المتعامين عن الواقع.
ثم إن من العقبات التي قد تواجهنا هي عدم وحدتنا، فهذا مصري وذاك سوري، ومن بعيد ترى المغربي وغيره.. بل إن المغربي قد يكره المغربي من ذات دولته الواحدة، لأنهم في دولتهم لا يعيشوا الوحدة أصلاً، فهذا أمازيغي والآخر عربي.. وحتى لو نظرنا إلى الجنسية الواحدة، وربما المسجد الواحد سوف نجد أن جمعياتنا ومساجدنا تغص بالعديد من المشاكل والخلافات.. فهل نقبل بهذا ونرضى بقليلنا كما يقولون؟
أم أن لدينا الكثير من الفرص التي يجب أن نكون واعين لها ونستغلها جيداً، بل وبسرعة، أو كما قلنا خلال شهورٍ قليلةٍ.
الحق أننا يجب أن نتحلى بوصف الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمن بأنه (كَيِّس فَطِن)، فذكاؤك يا أخي لا يجب أن يوقفك أبداً عند أول مشكلة، بل عليك أن تتخطاها بشكلٍ أو بآخر. لننسَ تماماً أننا من دولٍ مختلفة، فمن وضع هذه الحدود لم يكن أبدا ًوالله يبتغي لنا إلا الفرقة والضعف.. ولنتوحد حول ما وحدنا حوله ديننا، لنتوحد حول عقيدتنا الواحدة، ولغتنا المتشابهة.. لنتوحد حول أهدافنا، ولنستفد من كثرة عددنا الحالية بعد زيادتها بسبب فتح باب الهجرة للعاملين المهرة من الأطباء والمهندسين الذين أتوا من بلادنا لحاجة ألمانيا وأوروبا لهم، وأيضاً بعد زيادة عددنا بشكلٍ أكبر وبنسبة أعلى من إخوتنا من أهل سوريا الكرام.. إن أعدادنا قد زادت بالملايين يا إخوة.. فهل زاد نفوذنا هنا فعلاً؟ أم أننا لا زلنا نشعر بالضعف والرغبة في التواري خلف الجدران؟!
وهنا أختم الشق الأول من حديثي وأسأل الله أن يعنا على تقوية عزائمنا،.. فاللهم أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.
=========================
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد..
عباد الله:
أراكم قد تنبهتم إلى ضرورة أن نكون فاعلين في المجتمع لا مفعولين مغلوبين على أمرنا.. وهنا أحب أن أوضح أن إدارة المدينة ومن خلفها إدارة البلاد لن تراكم، لو كنتم كالخراف المتفرقة، لكن حين تكونوا متجمعين ومتوحدين، فستكون لكم قوة لا يمكن أن يستهين بها أي أحد، فهؤلاء الساسة سيحتاجون لكم ولأصواتكم فيما بعد، لذا سيسعون لإرضائكم، هذا إن كنتم متوحدين ولكم أهداف وطلبات واحدة.
ودعوني أضرب لكم مثالاً بسيطاً.. إن في المدينة جهة تنظيمية لجميع المسلمين والمساجد فيها، تشرف عليها المدينة بشكلٍ أو بآخر.. وهذه الجهة سعت لتنظيم صلاة العيد قبل عامين في إحدى الحدائق الكبيرة، فكان أن استجاب لدعوتها نحو ٣٠٠ مسلم صلى معهم.
والحقيقة أن هذه الجهة تشرف على ٣٠ مسجداً، فلو افترضنا أن لكل مسجد نحو ألف مصلٍ مسلم، لكان عدد المسلمين الذين لهم حق التصويت في الانتخابات القادمة لا يقل عن ٣٠ ألفاً.. فهل تعلم أخي الكريم أن عدد من انتخب الفائز في الانتخابات الماضية، كان نحو ٤٠ ألفاً فقط؟.. هل صدقتني حين أخبرتك أن بإمكاننا التأثير في التوجهات السياسية في البلاد؟.. اتدرون لماذا يجب أن يحسبوا لكم ألف حساب؟ لا، ليس فقط لعددكم الكبير نسبياً اليوم، بل لأن الإخوة الأتراك مثلاً معروفٌ عنهم أنهم يشاركون في الانتخابات بنسبةٍ تصل إلى ٧٠٪، في حين أن نسبة المشاركة الطبيعية في كثير من الانتخابات العادية أقل من ذلك بكثيرٍ جداً..
وقد استطاع إخوانكم الأتراك في مدينة كولن أن يصلوا إلى العديد من المزايا، والتي منها الخبر الذي ورد إلينا اليوم، ومفاده أن إدارة مدينة كولن قد وافقت على رفع الآذان للصلاة من المساجد لمدة عامين، في تجربةٍ يراد منها إظهار التنوع في المجتمع، فهل رأيتم كيف يمكن أن تصلوا لما كنا نظنه غير ممكن من قبل؟!
إن الساسة يدركون أننا نستطيع أن نتوحد وأن نكون قوةً فاعلةً في القرار السياسي بالمدينة وبالدولة.. فهل أنتم مستعدون لذلك؟
وقبل أن نجيب على هذا السؤال أريد أن نعود إلى نفس المثال السابق، فبدلاً من الـ ٣٠٠ مصلٍ الذي استجابوا لنداء الجهة التنظيمية الموحدة للمسلمين في المدينة في صلاة العيد قبل عامين، نود أن نزف إلكم بشرى لتعرفوا كيف يمكننا إحداث الفارق بمجرد بوست أو منشور واحدٍ على مواقع التواصل الاجتماعي.. فقد استجاب لندائنا وبدون أي جهة تنظيمية عددٌ يفوق ذلك بنحو خمسة أضعاف، أي ٥٠٠٪ من العدد السابق قبل سنتين.. نعم خمسة أضعاف صلوا معنا صلاة العيد في نفس الحديقة السابق ذكرها..!
ونعتقد أننا لو بدأنا في التوحد أكثر لكانت أعدادنا أكبر من ذلك بكثير، وحينها سيسعى إليكم الساسة وإدارة المدينة، ليطلبوا رضاءكم، وسيعرضون عليكم المساعدة لهذا الهدف.. ثم سيكون من السهل عليكم أن تطلبوا مثلاً الخطوة الفلانية لأبنائكم في المدارس، ولن يجرؤ بعدها أي مدرسٍ أن يتهكم على أيٍ من أبنائكم أو بناتكم، لأنه سيعلم عاقبته إن هو فعل ذلك في جاليةٍ كبيرةٍ و متوحدةٍ في قرارها كما نعرض عليكم اليوم.
إن الجميع ينظر إليكم على أنكم متوحدين في اللغة والدين، وأنكم تستطيعون التوحد خلف قرارٍ واحدٍ، فلو أريناهم ذلك من أنفسنا، وأكثرنا من تجمعاتنا، وعرفوا أننا فعلاً نستطيع أن يكون قرارنا واحدٌ، فسيكون بإمكانكم تغيير الحزب الحاكم في المدينة حسبما ترون، وأينما تكون مصلحتنا المشتركة، دونما أي تجاوزٍ للقوانين، وبكل هدوء.. فهل هناك أقوى من ذلك؟؟
إن هذا الهدف لا يتطلب فقط سوى التجمع والتوحد، ولا نطلب منكم غير ذلك.. واتركوا الباقي علينا وعلى إدارات المساجد التي نسعى لتوحيدها أيضاً.
إخوتي الكرام.. إن من يسمونهم في بلادنا بحزب الكنبة، أو حزب الصامتين، لا وزن لهم مهما كانت أعدادهم.. ونحن لا نطلب منك سوى.. ترك هذه الكنبة، والمشاركة مع إخوتك فيما يفيدك ويفيد أسرَتك وأبناءك.
وفي الوقت الذي نطلب منك فيه المشاركة في مجرد الترفيه عن أسرتك في المجموعة، نؤكد لك أخي الكريم أننا نسعى لعمل الكثير من أجل أبنائنا خلف الكواليس كما يقولون.. فقط شاركوا، وإخوانكم من خلفكم يعملون من أجلكم، دون طلب رياء أو سمعة، ودون شجار على مناصب فارغة، إخوانكم يعملون في صمت، ويبتغون فقط وجه الله، فلا تخزونهم وأظهروا لهم من أنفسكم خيراً وشاركوهم، دون أن تبذلوا أي مال ولا حتى مجهود، مجرد المشاركة لا أكثر ولا أقل بالطبع، فلسنا من حزب الكنبة كما اتفقنا قبل قليل.
ولنتفق من اليوم، أننا لو تقدمنا وحققنا ما يفيدنا جميعاً كجاليةٍ إسلاميةٍ خلال بضعة أشهرٍ قليلةٍ، فإن هذا يعني أننا على الطريق الصحيح إن شاء الله، وإن تحقق ذلك فإن علينا حينها أن نستكمل رؤيتنا لنصل إلى كامل أهدافنا كجاليةٍ إسلامية.. وكي نكون واضحين، فإننا لسنا بصدد أي انتخاباتٍ، ولا مصلحة لنا غير وجه الله تعالى، وقد اخترنا هذا التوقيت بالذات لنثبت فيه عدم وجود أية أهدافٍ أخرى غير المصلحة العامة لنا جميعاً.
ليكن لقاؤنا خلال نصف عامٍ بالتحديد من الآن، ولنرى حينها ماذا حققنا سوياً.
ندعو الله العلي الكريم أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يطمئننا على أبنائنا وأبنائكم، فهم كنزنا الحقيقي.
.. ..
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير، واتقوا الله عباد الله، وإني داعٍ فأمنوا