قصة الحسنين؟ وأنت؟

7. Dezember 2023 durch
Event Manager

عباد الله..


سأقص عليكم اليوم أحد المواقف التي أثرت فينا حينما كنا نفكر في حدود تأثير المسلمين الحالية والمستقبلية في المجتمع الأوروبي ككل.. وأود أن أبدأ بقصة الحسنين، وهي على لسان اثنين من أفاضل مشايخنا في ألمانيا أنقلها لكم عنهما فيما يلي..


فقبل ظهور الإنترنت بنحو ١١ عاماً كان أحد الأئمة النشيطين يمارس مهامه التي تشمل فيما تشمل وجوب أن يكون محيطاً بمجتمعه بشكلٍ جيدٍ جداً، حتى أنه كان يقضي بعض وقته في قراءة إعلانات الصحف.. وفي يومٍ وقع نظره على إعلانٍ مفاده: مطلوب قسيس مسلم لإشهار إسلام شخص.. وقد ترك المعلن رقم هاتفه وعنوانه، وكان ذلك قبل ظهور الهاتف الجوال بنحو ١٠ سنواتٍ أيضاً.


شيخنا حاول الاتصال بالمعلن فلم يتلق ردًا منه، فقرر ألا يسكت وأن يكون نشيطاً كعادته، فذهب على الفور إلى العنوان المقصود، لعله يكون سبباً في إسلامٍ هذا الشخص.. لكنه ظل يدق جرس الباب ولم يجد رداً كذلك، فقرر ترك ورقةٍ ولم يستسلم، ثم عاد أدراجه إلى بيته، وقبل أن يصل البيت دار بخلده أن شيئاً ما يشده إلى مكتبه في مسجده، فذهب للمسجد قبل أن يدخل باب بيته.. ولما وصل وجد رجلاً يرجوه أن يأتي معه، وكان جار المعلن، وقد وجد ورقة الشيخ على باب جاره فقرر أن يذهب للشيخ لأن جاره مريضٌ يرقد في المستشفى، وهو يريد أن يساعده بأي شيءٍ حتى لو لم يقتنع هو شخصياً به.. فتوسل للشيخ أن يأتي معه للمستشفى، فذهب معه ليجد الرجل المعلن مريضاً في الفراش وبجواره قسيس نصراني أوفدته إليه المستشفى.. فلما دخل سأل المريض الشيخ: أأنت القسيس المسلم؟


فأجاب الشيخ: نعم أنا، فهل لي أن أساعدك؟


فهمس المريض إلى القسيس النصراني قائلاً: شكراً لك، اتركني الآن فسأعلن إسلامي اليوم.. ثم التفت إلى الشيخ قائلاً: هل لك أن تحدثني عن الإسلام؟


فأجابه الشيخ باختصارٍ عن أهم ما يميز الإسلام من وجهة نظر الغرب، ولم يسرد له ما يحفظ كما يحاول البعض وكأنهم أطفالٌ لا يدركون المهم لمن أمامهم، ويفضلوا قراءة ما حفظوا أطفالاً دونما وعي.. إذ كان الشيخ يدرك تماماً أنه لا يجب أن يطيل على المريض وأن عليه أن يوجز بذكر أهم ملامح رقي إسلامنا.


فقال له المريض: إنني أحب الإسلام والمسلمين وأريد أن أدخل في هذا الدين، فماذا عليَ أن أفعل؟


فرد الشيخ لفوره قائلاً: فقط انطق الشهادتين وستكون مسلماً، ولم يقل له عليك أن تستحم وأن تفعل كذا وكذا، لأنه يدرك أن الرجل مريض وأنه لا يستطيع ذلك، وأن الدين يجب أن يوغل فيه برفق، لا بأن نكيل للجدد جميع الواجبات على الفور، فالتدرج من أفضل الوسائل لتربية النفس.


ثم سأله المريض: وهل عليَ أن أغير اسمي؟


فقال الشيخ: لا، ليس شرطاً.


فرد المريض: لكني أريد أن أغير اسمي إلى حسن.


فسأله الشيخ: وهل لذلك من سببٍ؟


فأجاب: كنت في زيارةٍ إلى المغرب وتجولت بين شوارعها، وإذا بأحدهم يرحب بي ويدعوني لزيارته في بيته، فظننت في بادئ الأمر أنه يريد أن يسرقني، ورغم ذلك دخلت بيته، فوجدته يبالغ في إكرام وفادتي، فزاد شكي بأن في الأمر شيءٌ غريبٌ،.. وحدثت نفسي أن أتظاهر بالنوم، على أن أكون حذراً.. وإذا بالرجل يتعامل بتلقائيةٍ شديدةٍ ولا شيء غير الكرم الصافي.. ثم سألته: لماذا كل هذا؟ فأجاب: أنت ضيف بلادنا، وهذا واجبنا تجاه الضيف، أن نكرمه بأفضل ما نستطيع، وحقه في الإسلام علينا ثلاثة أيامٍ.. فعجبت من هذا الدين، وأردت التعرف عليه أكثر فلم يكن أمامي سبيل إلا أن أعلن في الصحيفة عن حاجتى لقسيس مسلم يعمدني الإسلام، لأصبح أخًا لحسن المغربي وألقاه العام المقبل وقد أسلمت مثله.. حتى أنني أريد أن أغير اسمي لحسن كرامةً لهذا الرجل الشهم، الذي أًصبح أعز صديقٍ لي في كل الدنيا.


ثم نطق الرجل بالشهادة خلف شيخنا، وخرج الشيخ عائداً إلى مسجده.


وما أن عاد إلا أن تلقى اتصالاً مرةً أخرى من جار الرجل المريض الذي أعلن إسلامه للتو، فقال له: هل هناك ما أساعدك به ثانيةً؟ فأجاب الجار النبيل: لقد مات جاري المريض، وخرجت روحه بمجرد أن خرجت أنت من الغرفة..!


فبكى الشيخ واطمأن قلبه إلى أنه لم يقصر مع الرجل، فلو كان قد أكمل الطريق إلى بيته ولم يذهب لتوه إلى المسجد أول مرةٍ، فلربما مات الرجل دون أن يسلم.. وهذه هي نتيجة الجهد والنشاط أيها الإخوة، فلا تستهينوا أبداً بدقيقة نشاطٍ في سبيل الله.


وقد مر الكثير من الوقت حتى حكى شيخنا لآخر من الأفاضل الكرام ما حدث معه وكيف تأثر بذلك وأصبح يلوم نفسه على أي دقيقةٍ يقصر فيها في عمل الخير.. ثم حكى الشيخ الأخير هذه القصة في إحدى خطبه، وسمعه من سمعه..


وكان من بين السامعين شابٌ من أهل المغرب الكرام، سمع وأنصت، ثم حكى لأمه في المغرب عبر الهاتف، فبكت وقالت له: إن عمك حسن قد استضاف ألمانيًا عنده منذ نحو 20 سنة لعله هو، فسأل عمه فقال له: القصة متطابقة مع الألماني الذي استضفته هل يمكن أن تسأله في أى عام حدث هذا؟


فسأله الشاب، واتصل بالشيخ صاحب الشأن فقال: عام 1981، فقال وقع هذا معي في ذات العام.. الملفت في الأمر أن حسن المغربي رجلٌ عاديٌ غير متعلمٍ، وليس إماماً ولا شيخاً، بل هو مدخنٌ.. ولما علم بالقصة قال: الآن آن أوان التوبة الصادقة، والعودة الحقة إلى الله، فكان حسن المغربي سببا في إسلام حسن الألماني، وكان الأخير سببا في هدايته، وكان المغربي سببا في هدايته بخلق الكرم والسماحة مع شخص أجنبي لا يعرفه وعمل سلوكه في قلب ونفس الألماني رغم أنه لا يعرف اللغة ولم يحدثه عن الإسلام بمحاضرة فلسفية طويلة.


إخوتي الكرام.. إننا لم نذكر هذه القصة لمجرد التندر ومصمصة الشفاه، لكنها جزءٌ من الواقع الذي نعيشه جميعاً كل يومٍ وكل دقيقةٍ، فأنت رغم مشاغلك ومسئولياتك، رسولٌ في زمانك ومكانك، رسولٌ لجيرانك وزملائك.. وإن لم تفعل فما بلغتك رسالتك.


والسؤال المنطقي الآن


كم منا حسن؟


كم منا فعل مثله ولم يتحجج بكونه ليس عالماً ولا شيخاً، ولم يتحجج بكونه ليس مليونيراً وأن عليه أن يكدح.. حسن كان شخصاً عادياً جداً، ليس بأفضل حالاً منك.. لكنه كان أوعى منك بدينه، بقلبه وكيانه.. فكان عمله مصداقاً لما وقر في قلبه، فقط وبكل بساطة.. لم يعقد الأمور ولم يتحجج مثلك.


أننا جميعاً نعرف أن الإسلام لم ولن ينتشر بالسيف، وأن مئات الملايين في آسيا وأفريقيا قد أسلموا فقط بسبب حسن معاملة التجار المسلمين حين ذهبوا إلى بلادهم، مثل أندونيسيا وماليزيا وكثيرٍ من دول أفريقيا.. فجميعهم لم يروا السلاح منا قط.. وفي المقابل نعرف جميعاً أيضاً أن الإسلام يتهم زورا ًبأنه انتشر بحد السيف.. لكن مَن منا حاول تصحيح المقولة الأخيرة الزائفة هذه؟ وهل يكون تصحيحها بالصياح ورفع الصوت؟ أم بالسكوت والانزواء وإيثار السلامة في المنزل؟!


أم أنك شخصٌ تحاول مجرد التلفظ بعباراتٍ دينيةٍ مثل (حسبنا الله ونعم الوكيل) ثم أنت أبعد ما تكون عن معناها، لأنك لا تعمل بمقتضاها الذي يوجب عليك أن تعقلها أولاً قبل أن توكل إلى الله أمرك وحسابك..!


أين بصمتك في مجتمعك من حولك؟


أليس هذا هو ما سيسألنا الله عنه؟ لن يسألك الله عن نوع سيارتك ولا ماركة ملبسك.. بل هو سائلك عن جيرانك وحقهم عليك في إبلاغ دعوتك إليهم عملياً وليس لفظياً.. إن زملاءك وجيرانك سيقاضونك أمام الله عن تقصيرك في دعوتهم بالحسنى إلى دينه عز وجل، وسيكون لهم عذرهم أن الإسلام الحق لم يصلهم منك ولا من غيرك، فحتى إعلام المسلمين كثيراً ما يكون أشبه بإعلام اليهود، لا إسلام فيه.. فأين لهم أن يأخذوا صورة الإسلام الحقة.. والكارثة إخوتي أنهم سيكونون معذورين، لكننا نحن الذي نفتقد العذر، لأننا لم نقم بواجبنا تجاههم.


فهل ننتظر مصيرنا ونبخل على القوم بالدعوة إلى دين الله بالحسنى؟ هل سنضن عليهم بالمعاملة التي تليق بدين الإسلام.


إن الكثيرين منا يستمتعون بالحكم على هذا وذلك بالجنة والنار، وكأنهم قضاة الآخرة حصلوا على توكيلٍ من الله بالفصل بين الناس وتوزيعهم، وينسون أنفسهم وواجبتهم.


في حين أن المقصرين هم نحن، وليس من نحكم عليهم دون أن يطلب منا الله ذلك.. فلنقم بواجبنا، فنحن دعاةٌ لا قضاةٌ كما قال أحد علمائنا المعاصرين، الذي ألف كتاباً خاصاً بذلك، كي يفهم شبابنا ونحن من قبلهم حقيقة مهمتنا، وأن الدين هو المعاملة، وليس المجادلة.


وهنا أختم الشق الأول من حديثي وأسأل الله أن يعنا على تصحيح ما لدينا من مفاهيم لا أصل لها إلا في عقولنا القاصرة،.. فاللهم أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.


أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.

=========================

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.


أما بعد..


عباد الله..


كلُ عامٍ يتكرر نفس السؤال تقريباً، بمعنى أن عمرك لو كان أربعين عاماً، فإنك على الأقل ستكون قد سمعته ثلاثين مرةً في حياتك.. ورغم ذلك نكرر ذات السؤال دوماً، بل ويصر بعضنا على التشدق بالتحريم، ويرفضون سعة الإسلام ورحابته، ويقفون فقط عند قدامى العلماء، رافضين أراء المعاصرين المعايشين لمعيشتنا وأوضاعنا كمسلمين في الغرب.. ورغم أن المسألة اجتهادية خلافية، وأنه لا إنكار في المسائل الاجتهادية، إلا أن المشكلة هي عدم احترام رأي المبيحين أصلاً في نظر المحرِّمين، واتخاذ المسألة سبيلاً للتفسيق، ويستسهلون إثم ذلك، وربما يتعالى البعض فيصل إلى التشكيك في إيمان من يهنئ النصارى بأعيادهم، ويغفلون تماماً عن أن تكفير المسلم أو تحقيره إثمٌ كبيرٌ.. ومن الإشكال أيضاً أن تصر على فتاوى غير معاصرين لك، وغير مدركين لأوضاع الجالية الإسلامية في بلاد الغرب، وأن تتناسى أن من قواعد الفقه أن تستفتى فقيه محل إقامتك، تطبيقاً للمقولة: أهل مكة أدرى بشعابها.


وحجة من يقول بتحريم تهنئة النصارى بأعيادهم أن في ذلك إقرارٌ بعقيدتهم وتأييدٌ لها، ويزيدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها قط.. والرد على ذلك بسيطٌ جداً، فعدم فعل الرسول صلوات الله وسلامه عليه لذلك لا يعني تحريمها، ولو كان الأمر كذلك لنهى عنها، وما كان صمته عن هذا الأمر إلا لعدم الحاجة إليه، فالأمر فيه سعة أكبر من غيره يا إخوة..


أما أن مجرد التهنئة بضوابطها الصحيحة (أي بجملٍ لا تحمل شركاً بالله)، قد تكون إقراراً لهم في عقيدتهم فهذه سطحيةٌ لا تليق بفقيهٍ مسلم، لأن رسولنا صلى الله عليه وسلم قد استقبل وفداً من نصارى نجران وأذِن لهم بالصلاة في مسجده، فهل كان ذلك إقراراً منه لهم على معتقدهم وصلاتهم؟! كما قام النبي صلى الله عليه وسلم لجنازة يهودي، فهل كان قيامه إقرارا له على معتقده؟!


إن الأمر أكبر من ذلك بكثير، فضيق الأفق الذي يفضل الرفض والتشديد دون دليلٍ قطعيٍ، لهو أسلوبٌ يهدم ولا يمكن أن يبني في مجتمعٍ أوضاعه حرجةٌ وحساسةٌ كما هو الحال مع الجالية الإسلامية في ألمانيا، فإذا كان هذا هو ديدن هؤلاء الإخوة، فمن للمشاكل الكبرى لنا هنا؟


هل فرغنا من حل مشاكل أبنائنا في المدارس، وأبنائنا في الزواج، حتى يروق لنا اختيار التشدد في المسائل الخلافية ونتفرغ لتسخيف أراء كثيرٍ من الفقهاء ورفضها إلى حد وصل بالبعض إلى شتم أعضاء المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث بما به من قاماتٍ علميةٍ كبيرةٍ، وفي المقابل لا يفكر هؤلاء في إيجاد أي حلٍ لأي مشكلةٍ معاصرة؟؟


نتعشم أن يمر علينا عامنا القادم ولا نرى هذا الاختلاف يتكرر كما سبق في كل عامٍ طيلة عشرات الأعوام السابقة هي مدة عملنا مع الجالية الإسلامية في أوروبا.. حينها سيزداد تفاؤلنا بأننا بدأنا نفيق أخيراً من غفلتنا ونعي واقعنا ونعمل على حل معضلاته التي تتطلب فعلاً منا جهداً جهيداً.


أدعو الله العلي الكريم أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه..


ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير، واتقوا الله عباد الله، وإني داعٍ فأمنوا:


اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف اللهم عنا برحمتك شر ما قضيت..


اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك، اللهم حبب إلينا طاعتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل، وكره إلينا معصيتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل.


اللهم اجعل أفضل أعمالنا خواتيمها، واجعل أسعد أيامنا يوم أن نلقاك يا ذا الجلال والإكرام.


اللهم كن لإخواننا المظلومين، وارفق بهم وهَوّن عليهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.


اللهم عجل للحق بنصرك المبين، وثبتنا عليه بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.


وآخر دعوانا أنِ الحمد لك يا رب العالمين.