خطبة الجمعة - هل السكوت من ذهب؟

7. Dezember 2023 durch
Event Manager

عباد الله..


تعودنا في بلادنا أن حرية الرأي بشكلٍ عامٍ منبوذةٌ وتؤدي بصاحبها إلى المهالك، حتى قيل بأن للحوائط أيضاً آذانٌ تتنصت عليك وترصد أقوالك.


وتربينا على الخوف من البشر أكثر من الخوف من خالق البشر.. لكن نحمد الله أننا الآن في مجتمعٍ يسمح للجميع بحرية الرأي بقدرٍ أكبر مما تربينا عليه طيلة حياتنا.


إننا قد نتضايق من أبنائنا حين نرى لديهم الجرأة غير المعتادة لدينا، وبدلاً من أن ننميها داخلهم وننرشّدها لطريق الصواب والحق، نصطدم معهم وننهرهم عن حقٍ أكيدٍ لهم، وهم الذين لن يستغنوا عنه كما فعلنا نحن في بلادنا.


إن علينا أن نعيَ الواقع ونتفاعل معه إيجابياً، لا أن نرسخ السلبيات لمجرد أننا تعودنا عليها سابقاً.. ودعني أطرح عليك أخي الكريم سؤالاً:


هل تتكلم وستعترض على خطأ تراه في الشارع؟ أم أنك أسدٌ فقط في بيتك وعلى زوجتك وأولادك؟


وبكلماتٍ أخرى: هل ستمتنع عن الإدلاء برأيك أو رفض خطأ ما، لو علمت أن الذي تعترض عليه وتخاطبه غنيٌ أو مسئول كبير؟!


إننا وبصراحة قد تعلمنا أنه كلما كبر منصب الرجل أو جيبه، كلما وجب علينا أن نخشاه ونخاف من بطشه، لذا فالأوجب أن نتجنبه ونقدم له فروض الطاعة والولاء ما استطعنا..!


لكن الواقع هنا بخلاف ذلك، فهل اختلفت طباعك مع اختلاف الواقع هنا؟


انظروا إلى نسبة أصحاب اللجلجة والتلعثم في الكلام لدينا.. إن القوم هنا يسخرون منا ومن ضعفنا، وفي المقابل يحترمون اليهود رغم قلتهم، لأنهم أبداً لا يسكتون عن حقوقهم، بل وعادةً ما يطالبون بغير حقوقهم أيضاً كما تعلمون..


وفي مدينتنا هنا سترى مدرسةً رسميةً خاصةً باليهود، معترفٌ تماماً بنتائجها وشهاداتها، ولن ترى واحدةً للعرب رغم كثرتهم.. لماذا؟ لأننا نحترف تطبيق المثل القائل بأن: السكوتَ من ذهب..!!


لا والله، ليس كذلك.. فالسكوت خزيٌ إن كان عن الحق، والساكت هنا في الإسلام بمثابة الشيطان الأخرس، كما قال وكرر سلفنا الأفاضل.


إنك بالتأكيد لن تكتسب فضيلة الصدح بالحق بعد هذه الخطبة القصيرة بشكلٍ فوريٍ، فما اعتاد عليه الإنسان عشراتِ السنين يصعب أن يغيره في دقائق.. لكن رجاؤنا أن تعمل على تدريب نفسك على قول الحق، وألا تكون ضعيفاً.. كن قوياً في الحق، لين الجانب وخلوقاً عند الخطأ، فإن الاعتراف بالخطأ أيضاً فضيلةٌ لا يستطيعها إلا من كان قلبه سوياً..


وهنا أختم الشق الأول من حديثي وأسأل الله أن يعنا على تصحيح ما بنا من أخطاءٍ تربينا عليها،.. فاللهم أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.


أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.


=========================


الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم


أما بعد..


عباد الله:


عرفتم أن السكوت ليس من ذهبٍ، وأن الساكت عن الحق شيطانٌ أخرس.


فهل في المقابل قولُ الحق سهلٌ؟ هل سيصفق لك مَن حولك حينما تقول الحق؟


لا بالطبع، فلو كان الأمر بهذه السهولة ما كان للرجولة وزنٌ ولا أهميةٌ، ولتساوى الأطفال مع الكبار في خبراتهم في هذا المجال.. لكن قول الحق يتطلب القوة الذاتية، في حين أن السكوت السلبي هو من علامات ضعف الشخصية.


علينا أن نبادر وندعم كل ما يتصف بالحق، إن كانت لنا حقوقٌ فيجب أن نطالب بها،.. وإن أساء إلينا أحد فيجب أن نعترض ونطالب فوراً بالاقتصاص منه وفق القوانين المعمول بها.. وهنا يجب أن نتكاتف بقوة، فعند الإساءة إلى أي منا يجب على الآخرين أن يهرعوا لمساعدته والوقوف بجانبه، ومن لم يستطع التعبير لغوياً عن مشكلته فعلينا جميعاً مساعدته.


إنني أكاد أفتي بأن إغاثة الملهوف فرض كفاية على المجتمع كافة.. وهذا هو ما تفعله الدولة مع من لجأ إليها لحمايته من بطش بعض الحكومات العربية، فهل يكرمنا الغرباء ونبخل بها نحن على أنفسنا وعلى بني جلدتنا؟


ثم لنسأل أنفسنا من ناحيةٍ أخرى: متى رأينا المسلمين يتظاهرون للمطالبة بحقوقهم؟ أو للدفاع عن اضطهادهم ورميهم بالتطرف والإرهاب بدون وجه حق؟ أو حتى للدفاع عن أنفسهم ضد الإرهابيين الحقيقيين من النازيين والمتطرفين؟


إننا هنا نوجه فقط إلى الاستفادة بالقوانين والعمل في إطارها.. فإن كان مباحٌ لنا أن نتظاهر ضد تعمد إظهار الصورة السيئة عن المسلمين في وسائل الإعلام، فلما لا نفعل هذا؟


وقبل ذلك علينا أن نتفاعل بإيجابية مع المجتمع، كي نثبت لهم أننا لسنا بالصورة السلبية التي يصرون على التشدق بها في الإعلام.. وبعدها لنا أن نطالب بحق التظاهر لتصحيح الأوضاع، دون أن نخرق أياً من القوانين على الإطلاق.. فنحن نحترم هذه البلاد، ونحترم أنها فتحت للجميع أبوابها.


أراك أخي تتعجب من خطيبٍ يدعو للتظاهر، نعم.. لديك حقٌ، فهذا بالفعل غريبٌ على مجتمعاتنا ومساجدنا في العصر الحديث، لكن لو رجعتَ إلى سابق تاريخنا لعرفتَ أن المساجد هي من قادت الشعوب وأنارت طريقهم وليس مَن كممت أفواههم وأخمدت النور بينهم.. ثم إننا لا نطالب إلا بتحسين الأوضاع وفقاً للقوانين، فما العيب في ذلك؟!


إن القوم هنا لا يذكرون لنا سوى أننا نسيء إلى هذه الدولة ونستغلها، ثم أننا نسكت ونصمت لأننا ندرك أننا مقصرون ومخطئون، ولو كانت لنا ثمة حقوق لطالبنا بها كما يفعل غيرنا.. هكذا يروننا.


لكن عندما نستشعر بالفعل أن هنا مقامنا وأننا سوف نبقى هنا كما قال أحد الأطباء المقيمين في ألمانيا في قصيدته الشهيرة، فإن علينا نبنيَ ونؤسس لمجتمعٍ فاضلٍ، مجتمعٍ إيجابيٍ، مجتمعٍ لا يقبل الدنية ولا التنازل عن حقوقه، وهو في نفس الوقت متعاون مع الجميع في كل خيرٍ.


وهنا أدعو بكل وضوحٍ إلى أن نجتهد في مخاطبة جميع الجهات الرسمية بالمدينة، لا سيما تلك المعنية بشئوننا وشئون أبنائنا، وأن نشعرهم بأننا على قيد الحياة وأننا نسعى للوصول بمجتمعنا للقمة.. علينا أن نطالب بتحسين مستوى أبنائنا الدراسي، وأن نعين بعضنا على ذلك، وأن نستغل أيضاً ما تتيحه الدولة هنا من موارد لهذا السبب، كي يكون أولادنا دوماً هم الأقوى دراسياً، فليسوا بناقصي عقلٍ كما يحاول البعض أن يوهمنا بأننا أقلُ مستوىً من غيرنا.. وعلى الناحية الأخرى نذكر أنه لا يعتدي أحد علينا ولا على نسائنا ولا أولادنا، إلا لأنه مدركٌ تماماً أنه لن ينال عقاباً لأننا سذج لا نطالب بذلك.. لذا، علينا أن نواجه كل مدرسٍ يعتدي لفظياً أو معنوياً على أيٍ من أبنائنا أو بناتنا بكل قوة، كأن نتحد في الشكوى بحقه، حينها يجب على جميع العرب في تلك المدرسة أن يوحدوا أصواتهم ضد المعتدي كي يتعلم الدرس جيداً، ويعرف أننا العرب لا نقبل أن نكون شعباً من الدرجة الثانية في المجتمع.


وهكذا في كل مصلحةٍ أو مكتبٍ حكومي، بل وحتى في مواجهة الشركات التي تحتقر المسلمين،.. فإن فعلنا ذلك بكل أدبٍ ووقارٍ وقوةٍ في نفس الوقت، نلنا احترام الجميع واستعدنا هيبتنا التي فقدناها ونحتاجها الآن أكثر من أي وقتٍ مضى.


لكن وقبل كل ذلك، يجب أن نكون نحن القدوة في كل المجالات، فلا يجب أن يكون أسوأ من يقوم سيارته في الشارع هو المسلم، ولا أكثر المهملين هي المسلمة.. بل


نحن فخر الأمم ويجب أن نكون كذلك عملياً وحرفياً، لا بمجرد الادعاء والتشدق.


ندعو الله العلي الكريم أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يوحد كلمتنا فيما يفيد المسلمين والمجتمع من حولنا.