خطبة الجمعة ٢٦/١١/٢٠٢١- ما الجديد حولنا وكيف نتفاعل معه؟

7. Dezember 2023 durch
Event Manager

عباد الله..


يتساءل البعض عن غرابة خطبنا بعض الشيء، وكأنه يريد لنا أن نضع رؤوسنا في الرمال، ونحدثكم عن الصدق والأمانة كما في مدارس الأطفال وكأنكم لا تحفظون مثل هذه الموضوعات.. إن خطبة الجمعة هنا لا ينبغي أن تكون بضع ورقاتٍ من كتابٍ لم يعش كاتبه مشاكل المسلمين واحتياجاتِهم في الغرب.. فنحن هنا نعاني الكثير من المشاكل الأساسية، والتي يجب علينا إيجاد الحلول لها، لا أن نظل عشرات ومئات السنين راضين بها دون البحث عن حلولٍ جذريةٍ لها.


وباختصارٍ شديدٍ، إننا نعبر عن اتحادٍ جديدٍ لجمعياتٍ خيريةٍ تسعى لتحقيق الصالح العام للمسلمين في الدولة، صحيحٌ أن ذلك يكون دوماً مع التزام قوانينها، إلا أننا نعمل على التأثير في هذه القوانين وربما المساهمة في تشكيلها ابتداءً


باعتبارنا جزءاً من هذا المجتمع، لا عالةً عليه كما يصر البعض أن يوصمنا ويجبرنا على القبول بذلك.


إن نسبة المسلمين ستكون بعد أعوامٍ قليلةٍ جداً نحو ١٠٪ من المجتمع، فهل يعقل أن تظل عقيدتنا صفرية القيمة أمام القوانين الألمانية؟ بمعنى أن زواجنا وطلاقنا وميراثنا لا يعتد به، بالرغم من أن المسلمين في الولايات المتحدة وغيرها قد حصلوا على هذه المميزات منذ وقتٍ طويلٍ رغم أن تواجد الإسلام في أوروبا أسبق منهم بكثيرٍ جداً.. لكن ما وصل إليه المسلمون هنا أقل منهم بمراحل، ونحن إنما نعزو ذلك إلى قبولنا بالتهميش والاستكانة إليه.


إخوتي في الإسلام.. من أراد أن يستمع إلى دروس الأخلاق الإسلامية فليشارك أبناءنا وبناتنا دروسهم أيام السبت، فقد خصصناها لذلك.. أما خطب الجمعة لدينا فهي للكبار الذين أخذوا على عاتقهم تحسين أوضاع الجالية الإسلامية وتصحيحها، فهذا دوركم أنتم، لا دور الحكومة ولا دور الخانعين القابعين في بيوتهم.


ولنا أن نتساءل: هل الإسلام دين ودولة؟ أم هو للعبادات فقط؟


قطعاً شمولية الإسلام تعني أنه دينُ ودولةٌ، وتوجب علينا أن نكون واعين لما حولنا، بل وتوجهنا لما يجب فعله مع المعطيات من حولنا.. لكن، ألم نأخذ على أنفسنا عهداً ألا نتحدث في أمور السياسة لأنها تفرق ولا تجمع المسلمين؟ والإجابة: نعم، أكدنا مراراً أننا لن نتحدث في شئون السياسة مطلقاً، لكننا كنا نعني بذلك سياسة الدول العربية التي فرقت بين أفراد الأسرة الواحدة، أما السياسة المحلية في ألمانيا والتي تؤثر فينا بشكلٍ مباشرٍ فسيكون البعد عنها كمن يدفن رأسه في الرمال ويدعي عدم وجود الدنيا من حوله لأنه لا يراها..!


إذاً، الواجب علينا هو الإدراك والوعي التام لما يدور حولنا أولاً، امتثالاً لقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: (المؤمن كيس فطن) أي ذكيٌ لماحٌ لما يدور من حوله.. وثانياً يجب علينا أيضاً أن نتدارس الصالح العام للجالية الإسلامية، ثم نقرر ما هو جيدٌ لها بناءً على ما يستجد حولنا من أمور، سياسيةٍ وغير سياسيةٍ.. رغم علمنا التام بأن كلمة سياسة تقلق غالبية المسلمين، لأنها مرتبطة في بلادنا بنتائج لا تحمد عقباها، الأمر الذي يسبب الكثير من فرط الحساسية من مجرد كلمة سياسة، حتى صرنا جميعاً نمقتها، ولنا حقٌ في ذلك.. إلا أننا أيضاً لسنا أغبياء، ونحمد الله أننا نستطيع أن نمارس منها هنا ما يعود بالنفع المباشر وغير المباشر على المسلمين.


فما هو الجديد الذي نتحدث عنه اليوم؟ وما المطلوب منا لنحسن التفاعل معه لصالح المسلمين؟؟


إن المتابع للشأن الداخلي هنا يدرك تماماً أمرين:


الأول: أن المجتمع الألماني منقسم داخلياً بنسبةٍ ما، فالمحافظون من الشعب قد عاقبوا السيدة ميركل لأنها كانت إنسانةً وفتحت الأبواب للمهاجرين واللاجئين، فكان أن خسر حزبها شيئاً فشيئاً حتى فقد الزعامة في الدولة.. فلا هو الحزب الذي يدافع عن الحريات بالمقام الأول حتى يجتذب مؤيديها، ولا هو الحزب الذي يعمل من أجل المستوى المالي والدين المسيحي للدولة فحسب كما كان في السابق، فقد تطلبت إنسانية هذه السيدة أن تدمج بين الأمور كما هي طبيعة الحياة، لكن العقاب لها كان جاهزاً ممن لا يريدون تحرير هذه الدولة من أصوليتها وانغلاقها على أنفسها، اعتقاداً منهم بأنهم الشعب النقي الذي لا ينبغي له أن يفتح الأبواب لغيره، متناسين أنهم بذلك يعرضون أنفسهم لخطر الزوال أساساً.


الثاني: أن الشق الثاني من المجتمع لا يعادي المهاجرين، والذي يدرك حاجته لهم وفقاً للتغيرات والنقص الحاد في بعض فئات المجتمع بسبب بعض السياسات التي قادت أفراده لفهمٍ خاطئٍ فاختلت موازين الأسرة وازداد متوسط الأعمار نحو الشيخوخة، فاحتاج بالضرورة إلى سرعة علاجه بدفعةٍ شبابيةٍ تستطيع أن تحمل الراية وتعطيه القوة الإنتاجية المناسبة التي يحتاجها كي يبقى على قيد الحياة.. ومؤيدو هذا التوجه هم الغالبية الحاكمة الجديدة الآن.


فلماذا يخططون في السنوات الأربع القادمة؟ وكيف نحسن التفاعل مع هذه التوجهات الجديدة؟ والتي تصب في كثيرٍ منها في صالحنا، إن نحن أحسنا التفاعل معها دون دفن رؤوسنا في الرمال..


هذا هو ما سنتحدث عنه في الخطبة الثانية، وربما في خطبٍ لاحقةٍ إن شاء الله تعالى وقدر لنا أن نكون بين ظهرانيكم.


وهنا أختم الشق الأول من حديثي وأسأل الله أن يعنا على تصحيح ما لدينا من أخطاءٍ،.. فاللهم أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.


أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.

=========================

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.


أما بعد.. 


عباد الله.. 


إن التغييرات المتوقعة والمعلنة رسمياً من حولنا تصب مباشرةً في اتجاه تحرير المجتمع من عقيدة الانغلاق وتحركه في اتجاه الانفتاح على الشعوب الأخرى نظراً لحاجته الشديدة لذلك، وإلا سيهرم ويعجز عن مواجهة متطلبات الحياة بمفرده دون هذا الانفتاح.. وبناءً على ذلك فقد تقرر فتح الأبواب بدرجةٍ أكبر أمام المهاجرين من الخارج إلى داخل الدولة، مع تيسير العديد من القوانين كي يندمجوا في المجتمع الألماني بسرعةٍ.. ومن ذلك قوانين الجنسية وما إلى ذلك.


فللحصول على الجنسية مثلاً سيكون بمقدور المرء بدءاً من يناير ٢٠٢٣ أن يحصل على الجنسية في غضون ثلاث سنواتٍ فقط، إن كانت لغته جيدة وله إسهامات مميزة في الاندماج مع المجتمع.. لكنها ستصل بحدٍ أقصى إلى خمس سنواتٍ في حال عدم توفر هذه المميزات لديه.. وهنا لا نريد أبداً أن نكون ممن يعتقدون بأن أهم ما نسعى إليه هو ذلك الجواز الأحمر، لأنه يعطي مكانةً اجتماعيةً وعالميةً جيدةً.. بل نحن ممن يعون جيداً أن الحصول عليه يعني لنا أكثر من ذلك بكثيرٍ جداً جداً.. فهو يعني أنه سيكون لنا تأثيرٌ مباشرٌ في القرار السياسي وفي توجهات الدولة عبر المشاركة متراصين في الانتخابات، ولن نسمح لأحدٍ بأن يصدر قوانين تعادي المسلمين من جديد، أو لموظفٍ أن يقهر مواطناً هاجر من بلده وساهم في دعم هذه البلاد، لمجرد أنه يرى لونه أن أصله لا يعجبه..


إن الوضع الجديد سيجعلنا جزءً لا يتجزأ من المجتمع هنا أخيراً، ولن نكون تلك الأقلية المهمشة التي لا يحسب لها القائمون على الأمر أي حساب.. هذه هي الموضوعات الجديرة بالحديث فيها في خطب الجمعة حسب رؤيتنا.


نقترح إخوتنا الكرام أن نؤسس في كل جمعيةٍ أو مسجدٍ قسماً أو نخصص على الأقل مسئولاً يكون معنياً بتقديم المشورة ومد يد العون للساعين للحصول على الجنسية الألمانية، كي نزيد من قوتنا وتأثيرنا في عمليات اتخاذ القرارات السياسية كما أسلفنا..


ثم نقترح أن نحدد مطالبنا من الحكومة المحلية والاتحادية على السواء، ثم نرتبها زمنياً حسب المعطيات المتاحة بكل دقة.. بمعنى أن ندرس شخصيات وأحزاب القائمين على الحكم في المدينة ومنافسيهم، ونجمع بياناتٍ دقيقةٍ عن أعدادنا، ثم ندرس تأثيرنا في الانتخابات في مايو القادم وما يليها، ونرتب قائمة طلباتنا وفقاً لذلك كله.. وبشكلٍ أكثر دقة أضرب مثالاً:


متى يمكن أن نطالب بمدرسة أو أكثر للمسلمين؟ وماذا يجب أن نفعل بالضبط للحصول عليها؟ وأي من المدارس الحكومية بالمدينة يمكن أن نطالب بتحويلها لإسلامية؟ وعلى أي أساسٍ قانونيٍ يكون ذلك؟ ومن من المسئولين والسياسيين يمكن أن يساعدنا في ذلك لنعطيه أصواتنا خلال الانتخابات القادمة؟


هذا على الصعيد المحلي.. وعلى الصعيد الاتحادي يمكن أن نناقش مسألة الاعتراف بقوانين الزواج والميراث الإسلامية.. ثم تأتي مسألة تمويل المساجد من مصادر الدولة، التي لا ينبغي أن تظل تعتمد على جيوب المصلين أحياناً وأحياناً أخرى على تمويلات خارجية من هذه الدولة أو تلك، ثم تشتكي بعض هذه المساجد بعد ذلك من ضرورة خضوعها لإملاءات هذه الدول الخارجية، والتي لا تتناسب مع الجالية الإسلامية والقوانين المحلية.. حتى أننا نرى بعض المساجد تلتزم بنفس خطب الجمعة من كتب الدول الممولة لها..!! 


لدينا أمورٌ كثيرةٌ يجب أن نتدارسها ونعملَ لها بجدٍ وبسرعةٍ، لا على التراخي الذي دام عشرات السنين دون أن تصل الجالية الإسلامية هنا إلى شيءٍ يذكر.


أدعو الله العلي الكريم أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا جميعاً على إتقان العمل من أجل المسلمين.


ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير، واتقوا الله عباد الله، وإني داعٍ فأمنوا:


اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف اللهم عنا برحمتك شر ما قضيت.. 


اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا إليك، اللهم حبب إلينا طاعتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل، وكره إلينا معصيتك، وكل ما قرب إليها من قولٍ وعمل.


اللهم اجعل أفضل أعمالنا خواتيمها، واجعل أسعد أيامنا يوم أن نلقاك يا ذا الجلال والإكرام.


اللهم كن لإخواننا المظلومين، وارفق بهم وهَوّن عليهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.


اللهم عجل للحق بنصرك المبين، وثبتنا عليه بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.


وآخر دعوانا أنِ الحمد لك يا رب العالمين.