عباد الله:
من المعلوم أن العديد من الأمور الفقهية للمسلمين تحتاج إلى الفصل من ولي أمر المسلمين، كالطلاق والخلع مثلاً، فمن وليهم في بلادِ هم فيها أقلية؟
لا بل هم متفرقون في مجموعاتً كل حسب بلده الأم على الأغلب، والنتيجة ألا ولي لهم فيها.. فكيف نحل مثل هذه المشكلة المزمنة؟
والغريب يا إخوة أنها مزمنةٌ فعلاً لأنها قائمة منذ عشرات أو مئات السنين مع المسلمين في أوروبا، ولا حل حتى الآن لها حسب ظننا وعلمنا القاصر.
وإن أردنا حلها وطالبنا بمحكمةٍ شرعيةٍ إسلاميةٍ تفصل في شئون المسلمين هنا، لهاجمتنا أبواق الإعلام ورمتنا بأننا نريد تأسيس دولةٍ داخل الدولة، وهم بالفعل جاهزون مترقبون.. فهل نقف مكتوفي الأيدي؟
الحق أنه يجدر بنا أن تكون لنا محاكمنا الدينية الخاصة، أسوةً بالنصارى في بلادنا وهم أقليةٌ كذلك، فأمرهم موكولٌ لهم.. لكن كيف ومتى يكون ذلك؟ وهل تنتظر مشاكلنا سنواتٍ عجافٍ أخرى حتى يتحقق ذلك؟
ولنكن منصفين.. المسلمون هم من لا يطالبون بذلك ابتداءً، فهم كما قلنا متفرقون، أغلبيةٌ تركيةٌ تحل أمورها في سفارتها، ثم عربٌ متناثرون بين سوريين لا يزالون بحاجةٍ إلى الاطمئنان والشعور بالاستقرار في هذه البلاد، وأفارقةٍ لا يبحثون أساساً عن أي حلٍ، فحتى أكثر الأفارقة وجوداً في هذه البلاد لا يكترثون كثيراً بدولتهم المغرب، لأن غالبيتهم من الأمازيغ المضطهدين حسب رأيهم في بلادهم.
لكن مَن يحل مشاكل عشرات وربما مئات الآلاف من المسلمين المقيمين هنا؟ من لها؟
إخوتي الكرام.. دستورياً يحق للجميع ممارسة شعائر دينه بلا حرج، شريطة ألا يؤثر ذلك على حرية الآخرين وألا يضر بكيان الدولة بأي شكلٍ.. وهذا الحق يمارس بعوارٍ شديدٍ من المسلمين، فهذا رجل وتلك امرأةٌ يرغبان في الزواج، ويجدان من يزوجهما بكل سهولةٍ في بعض المساجد دونما التسجيل في هيئة الزواج المدني بالدولة،.. وتمر بهما الحياة فإذا ما أرادت الزوجة مفارقة الزوج أو خلعه لظلمٍ أو هجرٍ بيِّنٍ وجدناها تتعرض لابتزازٍ كبيرٍ من الزوج الذي تحول من مجاملٍ إلى متجبرٍ، وقد رأينا أنه قد يطلب منها في بعض الأحيان ما يزيد عن عشرين ألف يورو، وبدلاً من أن يكون لها سنداً في الغربة، يكون هو أول من يساومها ويبتزها..!! أبعد ذلك خسة؟!
ولو لجأت المرأة للمساجد لما وجدت لديهم حلاً، لأنه لا أحد منهم يستطيع أن يرى في نفسه ولياً لأمر المسلمين وله سلطة التفريق والخلع.. فكيف نحل مشكلة مثل هذه المرأة المسكينة؟ وهي التي سقطت بين أنياب خسيسٍ لا يقيم للمعروف وزناً ولا يخاف الله رب العالمين، أو ربما اعتاد في بلاده على أن المرأة سقط متاعٍ يجب أن تظل حقوقها الإسلامية الأصيلة منسيةً مهضومةً على الدوام.. ومن ناحيةٍ أخرى لا يجرؤ شيخٌ على اعتبار نفسه ولياً للمسلمين ليحل لها مشكلتها..
المؤلم المبكي يا إخوة هو أن تلك المرأة قد تجد شيطاناً يتجسد في غير مسلمٍ أصلاً، يحنو عليها وقد يسيطر على مشاعرها بداعي الحب، ثم تقارن بينه وبين المسلم الذي رأت منه خسةً لا نظير لها، إلى جانب مسجدٍ يقف عاجزاً عن إنصافها ويتهرب منها.. فهل تلجأ للحل الأسهل، وهي أن تنسى دينها وترتمي في أحضان غير المسلم، لأنه أحن وأكثر إنصافاً وربما هو الوحيد الذي فهمها ووقف بجانبها؟!!
والله يا إخوة إننا نهدم إسلامنا وأسرنا وأولادنا بأيدينا.. لقد وصلت إلينا العديد من المشاكل من مثل هذه النوعية الخطيرة، ووجدنا أن الأمر لو استمر هكذا فلا نستحق أن ننتظر من أبنائنا إلا البعد عن الإسلام، لأنه في نظرهم عاجزٌ قاصرٌ على حل مشاكلهم.
فهل يضعنا الله فعلاً في مشكلةٍ لا حل لها؟
حاشا لله.. فإن وعده الحق لن يفتأ قائماً إلى يوم القيامة، بأنه (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).. فما الحل إذاً؟
الحل بسيطٌ في نظرنا، وهو أن نلجأ إلى التحكيم العرفي المستند على رأي أهل الحل والعقد من فقهاء كل مدينة، بحيث تتشكل لجنةٌ شرعيةٌ من أكثر فقهاء المدينة علماً، تجتمع مرةً في الشهر، لتنظر مشاكل المسلمين الدينية وتصدر فيها فتواها.. وأؤكد أن القرار هنا يسمى فتوى من اللجنة الشرعية، فلا يجدر بنا أن نسميه حكماً قضائياً كي لا يأتي المتربصون ويقولون بأننا قد أنشأنا محاكمنا الخاصة وأن في ذلك مخالفةٌ للدستور.. رغم أن هذا من حقوقنا لكنه يحتاج إلى خطواتٍ سياسيةٍ وقانونيةٍ أخرى طويلةٍ تسبقه، فلنؤجل المسمى حتى تتحقق أولاً.. المهم هنا أن تصدر فتوى التطليق أو الخلع من لجنٍ مكونةٍ من أفقه من بالمدينة مجتمعين، كي يحلوا هنا محل ولي أمر المسلمين، وتنتهي مأساةٌ طالما استمرت عقوداً طويلةً.
ونذكر بأنه لابد من إشهار مثل هذه اللجنة الفقهية بين المسلمين، كي يدركوا أن لمشاكلهم حلولاً.
ندعو جميع العاملين بإدارات المساجد في كل مدينةٍ أن يتعاونوا على البر والتقوى، وليس على جمع التبرعات وفقط..!!
لابد لكم أن تخرجوا من قوقعة التشرذم والانعزال عن بعضنا البعض إلى نور الوعي بأمور المسلمين.. وندعو الله ألا تتأخروا في هذا المضمار، فلن يرحمنا الله إن نحن استمررنا في التقصير وأغمضنا عيوننا عن مشاكل تهدم كيانهم وتدمر أطفالهم ونساءهم من قبلهم.
نسأل الله أن يلهمنا الصواب، وأن يثبتنا على الحق، فاللهم فأعنا على أنفسنا أولاً،.. أعنَّا ولا تُعِنْ علينا، اللهم لا تَكِلْنا إلى أعمالنا ولا إلى أنفسنا طرفة عين، يا أرحم الراحمين.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فإنما قوة السيف بضاربه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
أما بعد..
عباد الله:
تحدثنا في الخطبة الأولى عن واحدةٍ من أعظم مشاكل المسلمين في الغرب، والتي لا ينتبه إليها إلا من يحتاجها فعلاً، وهي تشكل عبئاً خطيراً على ما تبقى من الأسرة المسلمة في هذه الحالة، ألا وهي التفريق بين الزوجين.
وفي الخطبة الثانية نريد أن نلقي الضوء على بعض المنتفعين الذين يتحدثون باسم المسلمين وهم أبعد من يكونون عن تمثيلهم، همهم الأول هو التربح المادي وليس صالح المسلمين.. أما كيف يتربحون؟ فهذا هو ما يجهله الكثيرون من العاملين المجتهدين في خدمة المسلمين بحق، من أنماطٍ متعددةٍ من الدعم المادي الحكومي المحلي.. إنهم يتحدثون باسم الإسلام ويقدمون التنازل تلو الآخر دون أي سندٍ لا من الشرع ولا من الواقع المتمثل في تأييد المسلمين المزعوم لهم.. وهم كزهرة دوار الشمس، يتبعون ويدورون حول طلبات الساسة، فلو طلب الساسة تحليل الشذوذ الجنسي، تراهم يكتبون أبحاثاً طويلةً يحاولون فيها التدليس ويقولون في الإسلام ما ليس منه على الإطلاق، حتى أصبحنا نرى في الشوارع إعلاناتٍ باهظة التكاليف من قبيل: أنا مسلم، لكن شاذ، والإسلام لا يعارض ذلك.. وللأسف لا تنتبه مساجدنا إلى هذه المشكلة، ويحسنون الظن بهم، وهم بالفعل غير مستحقين لذلك.
إخوتي في الله.. ليس بالضرورة أن يكون جميع هؤلاء المتربحين من الفجار كغيرهم من أصحاب أطروحات تحليل الشذوذ الجنسي أو كبيرةٍ من الكبائر في الإسلام، لكن منهم أيضاً من يمكن وصفه بأنه ضعيفٌ ممالئ، يمارس دور الرقابة من ناحيةٍ والمداهنة من ناحيةٍ أخرى، دون أن يكون له أي دورٍ فاعلٍ في المجتمع المسلم، غير ربما بعض مباريات الكرة بين أئمة المسلمين ورهبان النصارى في المدينة، كمظهرٍ من مظاهر التسامح المحببة إليهم.. وقد طلبنا منهم أن يعملوا على حل مشكلةٍ من مشاكل المسلمين، فوجدناهم أبعد ما يكونون عن ذلك، لأنهم يدركون أن وظيفتهم كما أسلفنا هي مجرد الرقابة وكتابة تقارير عن المساجد للمسئولين بالمدينة لا أكثر.. وقد جربنا بعض هؤلاء وعرضنا عليهم حلولاً لمشاكل المسلمين كتلك التي أوضحنا في الخطبة الأولى، فوجدناهم يتحججون بأنهم لا يمثلون السنة فقط، بل يمثلون الأحمدية والقاديانية وغير ذلك من الطوائف غير المعترف بها من جمهور المسلمين أصلاً.. فلو قلت لهم إن أهل السنة في المدينة يزيدون بمراحل عن سبعين بالمائة، لتحججوا بأن المسئولين يرغبون فيمن يمثل جميع المسلمين لا أغلبيتهم.. فهم كمسمار جحا، موجودٌ ليثبت وجوده فقط، دون أن يكون له أي سندٍ من الواقع يدعمه.
إخوتي.. نستحلفكم بالله أن تكونوا أكثر وعياً لما يحاك بكم، فأبناؤكم لن يغفروا لك أي تقصيرٍ عند محكمة الجبار العادل.
.. ..
ألا وصلوا وسلموا على البشير النذير، واتقوا الله عباد الله، وإني داعٍ فأمنوا: